هل سمعت يومًا عن مصطلح التفكير التصميمي (Design Thinking)؟ وهل تعتقد أنّ هذا المصطلح يقتصر استخدامه من قبل المصممين فقط ؟ هل تعرف لماذا سُمّي بهذا الاسم؟ وما أهميته وما تاريخ نشأته؟  ولماذا أصبح مصطلح ذو شهرة واسعة؟ 

لقد تبنت بعض العلامات التجارية الرائدة في العالم مثل Apple و Google و Samsung  نهج التفكير التصميمي ،بالإضافة للتركيز على تدريسه في جامعات رائدة حول العالم ، بما في ذلك Stanford و Harvard و MIT; ولذلك سنأخذك من خلال هذا المقال في رحلة واسعة إلى عالم التفكير التصميمي أو ما يعرف أيضًا ب " التفكير خارج الصندوق" .

ما هو التفكير التصميمي؟

يُعرّف التفكير التصميمي (Design Thinking) على أنّه عملية تكرارية تتكون من عدة مراحل, يتم فيها توظيف أساليب وأدوات وتقنيات لإيجاد حلول مبتكرة لمشكلة ما. حيثُ تقوم على وضع الافتراضات ، وإعادة تعريف المشكلات في محاولة لتحديد الاستراتيجيات والحلول البديلة التي قد لا تظهر على الفور مع المستوى الأولي لفهمنا.
يتميز التفكير التصميمي بكونه أسلوب إبداعي لعلاج المشكلات, حيث يتمركز حول العنصر البشري من أجل حل المشكلات وتحقيق الأهداف لأي عملية بطرق مبتكرة. كما أنّه يعتبر الحل الوسطي السليم لحل المشكلات - فهو ليس غارقًا تمامًا في العاطفة والحدس ، ولا يعتمد فقط على التحليلات والعلوم والأسباب المنطقية ؛ لكنّه يستخدم مزيجًا من الاثنين.

أهمية التفكير التصميمي:

بحسب دراسات تم اجرائها فإنّ 75% من الشركات تسعى باستمرار إلى تبني التفكير الإبداعي في عملياتها اليومية لاتخاذ قرارات أفضل وتحقيق النمو وزيادة الأرباح. وقد استطاعت الشركات الكبرى مثل: جوجل وآبل وغيرها الحفاظ على موقع متصدّر، وذلك بالاعتماد على منهجية التفكير التصميمي كأحد أساسيات العمل. ولعل أهميته تكمن في النقاط التالية بشكل أساسي, وهي:  

  • حل المشكلات: يقدم التفكير الإبداعي طرقًا أفضل لتحديد المشكلات وحلها واكتشاف أساليب مختلفة للتفكير بها، عبر تجزئة المشكلات الكبيرة إلى أجزاء أصغر تُسهّل على الشركة تحليل المشكلة، وصولاً إلى تقديم تصور دقيق عن الحلول الممكنة لإرضاء العملاء وزيادة الإيرادات في وقت واحد.
  • مواجهة التحديات: يتميز التفكير الإبداعي بالقدرة على مواجهة التحديات، فقد يشكل بذاته تحديًا في البداية، إذ أنه يتضمن تغييرات على مستوى معالجة وتحليل العمليات والتخطيط، التي اعتادت الشركة تبنيها لعدد من السنوات.

نشأة التفكير التصميمي:

أصبح التفكير التصميمي شيئًا من الكلمات الرنانة في السنوات الأخيرة ، ولكنّه نهج ظلّ يتطور بالفعل منذ الستينيات. دعنا نستكشف تاريخ هذه العملية من خلال جدول زمني موجز.


1969: هربرت سيمون

في عام 1969 ، نشر عالم الاجتماع وعالم النفس الأمريكي هربرت سيمون مقالًا قال فيه أنّه وضع أسس التفكير التصميمي, وفي كتابه "The Sciences Of The Artificial" حدد سايمون سبع خطوات رئيسية لاستخدام التصميم كنهج إبداعي لحل المشكلات. يذكرنا هذا النموذج المكون من سبع مراحل إلى حد كبير بالعملية ذات الخمس مراحل المستخدمة بشكل شائع اليوم.


1973: هورست ريتيل


شخصية رئيسية أخرى في تشكيل عملية التفكير الإبداعي كما نعرفها اليوم. في السبعينيات، صاغ ريتيل مصطلح "المشاكل الشريرة" لوصف المشاكل المعقدة التي يصعب تحديدها ، وليس لها عدد محدد من الحلول المحتملة ، وتميل إلى أن تكون من أعراض مشكلة أخرى.


1991: ولادة IDEO


في أوائل التسعينيات ، تأسست شركة التصميم والاستشارات الدولية IDEO. غالبًا ما يتم الترحيب بـ IDEO كواحد من أكثر الشخصيات فاعلية في جلب التفكير التصميمي إلى الاتجاه السائد. يقسم نموذج التفكير التصميمي الخاص بـ IDEO العملية إلى ثلاث مراحل رئيسية: الإلهام ، والتفكير ، والتنفيذ.


1992: ريتشارد بوكانان


قام ريتشارد بوكانان ، وهو مُنظِّر تصميم آخر ، بربط مشاكل ريتل الشريرة بالتفكير التصميمي في أوائل التسعينيات عندما نشركتابه " المشكلات الشريرة في التفكير التصميمي".


2005: التفكير التصميمي كمادة جامعية


في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ، بدأ تقديم التفكير التصميمي كدورة دراسية على المستوى الجامعي. كانت مدرسة ستانفورد للتصميم (أو مدرسة d.school) رائدة في هذا المجال والتي بدأت تدريس التفكير التصميمي في 2005.


هذه مجرد حفنة من الأحداث التي ساهمت في عملية التفكير التصميمي كما نعرفها اليوم. يمكنك معرفة المزيد حول أصول التفكير التصميمي في هذا الجدول الزمني الشامل الذي كتبه خبير التصميم Jo Szczepanska.
الآن أصبح لدينا فكرة عن مصدرعملية التفكير التصميمي ، دعنا نفكر في ما تستلزمه العملية بالضبط.


مراحل عملية التفكير التصميمي:



هناك العديد من المتغيرات لعملية التفكير التصميمي المستخدمة اليوم ، فهي تتكون من ثلاث إلى سبع مراحل. ومع ذلك، فإنّ جميع أشكال التفكير التصميمي متشابهة جدًا, وتجسد نفس المبادئ. هنا سنركز على النموذج المكون من خمس مراحل والذي وضعه معهد هاسو بلاتنر للتصميم في ستانفورد ، والتي تُعرف أيضًا باسم d.school. وهذه المراحل الخمس بحسب دي سكول هي كما يلي:

1- التقمّص أو التعاطف- Empathize

ويقصد بها أن تفهم المشكلة التي يواجهها المستخدم المستهدف أو أن تضع نفسك مكانه وتحاول أن تتخيل انطباعاته,وذلك من خلال وضع الأسئلة التي توضح وتعطي أكبر كم من المعلومات التحليلية المفيدة عن الموضوع. وهذه الأسئلة هي:


ماذا؟ خلال مرحلة التعاطف ، ستتفاعل مع جمهورك المستهدف وتراقبه.


لماذا؟ الهدف من هذه الخطوة هو رسم صورة واضحة عن المستخدمين النهائيين لديك ، والتحديات التي يواجهونها ، والاحتياجات والتوقعات التي يجب تلبيتها.


كيف؟ من أجل بناء تعاطف المستخدم ، ستجري استطلاعات الرأي والمقابلات وجلسات المراقبة.


تمكن أهمية هذه المرحلة في تنحية افتراضاتك الخاصة بك جانبًا واكتساب رؤية حقيقية للمستخدمين المستهدفين واحتياجاتهم. 


2- التعريف- Define

في هذه المرحلة تبدأ بترتيب المعلومات التي تم جمعها خلال مرحلة التعاطف. ثم تقوم بتحليل ملاحظاتك لتحديد المشكلات الأساسية بشكل دقيق. يمكنك إنشاء شخصيات افتراضية "personas" للمساعدة في الحفاظ على تركيز جهودك.


3- التفكير- Ideate

والآن أنت جاهز للتفكير خارج الصندوق وايجاد أكبر قدر من الأفكار والحلول الإبداعية, والتي سيتم فلترتها لاحقًا لقياس مدى إمكانية تطبيقها وفعاليتها. العصف الذهني مفيد بشكل كبير هنا .

4- إنشاء النموذج الأوّلي- Prototype

هذه المرحلة تجريبية. الهدف منها هو تحديد أفضل حل ممكن لكل مشكلة تم تحديدها في المراحل السابقة, وانشاء نموذج أولى كتطبيق عملي لحل المشكلة.

5- الاختبار- Test

تيح لك مرحلة الاختبار معرفة المكان الذي يعمل فيه النموذج الأولي بشكل جيد وأين يحتاج إلى تحسين. بناءً على ملاحظات المستخدم ، يمكنك إجراء تغييرات وتحسينات قبل أن تنفق الوقت والمال في تطوير و/أو تنفيذ الحل الخاص بك. تجري عملية الاختبار من خلال عقد جلسات للمستخدم المتوقع,  حيث تلاحظ تفاعله مع النموذج الأولي, ويمكنك أيضًا جمع التعليقات اللفظية. مع كل ما تتعلمه من مرحلة الاختبار، ستُجري تغييرات على تصميمك أو تبتكر فكرة جديدة تمامًا!
إذًا نستنتج أنّ عدد المراحل التي تمر بها عملية التفكيرالتصميمي أو آلية ترتيبها ليس بالأمر بالغ الأهمية, حيثُ تظل هذه المنهجية في أساسها عملية تكرارية قائمة على حل المشكلات من خلال إيجاد حلول إبداعية ومبتكرة. 

ونرى من كل ما تم ذكره سابقًا أن التفكير التصميمي كان السر الخفي حول نجاح العديد من الشركات الرائدة, واختراع الكثير من التقنيات والأدوات كاستجابة لحاجات ومشكلات عند الأفراد والشركات

وأخيرًا ننصح بمتابعة IDEO للاستشارات التصميمية, والتي تعتبر مستودعًا ثريًا لأدوات التفكير التصميمي ودراسات الحالة: http://www.designkit.org/